منذ عدة سنوات، كان مصطلح “إلغاء التجزئة” معروفًا بل وأكثر استخدامه عند الحديث عن الهاردات الثابتة (HDD)، حيث كان إلغاء تجزئة الهارد حلاً مقترحًا بشدة لمعظم مشكلات الكمبيوتر المتعلقة بالبطء، ويمكن صياغة هذا الموقف في عبارة “جهاز الكمبيوتر الخاص بك بطيء؟ مشكلة الهارد، فلنقم بإلغاء تجزئتها! “
ولكن على مر السنين، وبعد انتشار هاردات HDD بدأت تتلاشى أمام ظهور هاردات SSD السريعة، لم تتراجع فكرة” إلغاء التجزئة “كثيرًا وبدأ التساؤل عن تأثير هذه العملية على أداء الهارد وسرعة الحاسب وهل لا تزل التجزئة ضرورية في عصر SSD أم لا؟ دعني أخبرك من الأسطر التالية.
ما هي عملية إلغاء التجزئة؟
تقوم هذه العملية ببساطة بترتيب وتنظيم البيانات المخزنة على وحدة التخزين، بما في ذلك الهارد (HDD) بالطبع. الوقت وبسبب طبيعة عمل الهاردات HDD، تحدث ظاهرة التجزئة نتيجة توزيع البيانات بين الكتل المتباعدة.
لفهم الفكرة ، تقوم الهاردات HDD بتخزين البيانات رقميًا على هاردات مغناطيسية تسمى Platters، وهناك رأس متحرك فوق كل هارد لقراءة البيانات وكتابتها. من الناحية الفنية، عندما يتم حفظ مِلَفّ جديد على الهارد، يتم تقسيمه إلى عدة أجزاء مرتبة بشكل تسلسلي تسمى “الكتل”، ولكن مع الاستخدام المتكرر والتخزين لعدد كبير من الملفات، فإن الأجزاء التي تم ترتيبها في البداية بشكل تسلسلي مبعثرة، إلى يتم تخزينها في أماكن مختلفة بين الأسطوانات.
وهذا ما يسمى تجزئة، وبمجرد حدوث ذلك ، فإن الحاجة الشديدة للبحث عن الكتل الموزعة بين الأسطوانات في أماكن منفصلة عندما يكون الكمبيوتر مطلوبًا للوصول إلى مِلَفّ معين، مما يؤدي إلى انخفاض في الأداء، حيث يستغرق الهارد وقتًا أطول اجمع كتل الملفات في كل مرة.
هنا يأتي دور عملية إلغاء التجزئة، التي تقوم بترتيب كتل البيانات بشكل تسلسلي لتخزينها معًا في أماكن محددة على الهاردات، مما يسرع من الوصول إلى الملفات وقراءتها للكمبيوتر. هذه العملية بطيئة في البداية حيث يحتاج المرء بشدة إلى العثور على النهاية الأولى لكل مِلَفّ مخزن ثم يبدأ في ترتيب الكتل بالتسلسل – يشبه الأمر الصعب حل مكعب روبيك الضخم!
لا تحتاج هاردات SSD إلى التجزئة
هذا صحيح، تعمل الهاردات ذات الحالة الثابتة بطريقة مختلفة تمامًا عن الهاردات الثابتة القديمة ، ولا توجد هاردات مغناطيسية ورؤوس للقراءة / الكتابة ، ولكن يتم نقل البيانات بسرعة مذهلة عبر ذاكرة فلاش NAND بحيث يتم الوصول إلى مِلَفّ معين على SSD عادةً يتطلب أقل من 50 ميكروثانية ، بينما يستغرق الوصول إلى مِلَفّ مخزن على محرك هاردات ثابت حديث 15 مللي ثانية (ما يعادل 15000 ميكرو ثانية) ، أي أسرع بنحو 300 مرة! مما يجعل عملية إلغاء التجزئة عديمة الجدوى.
أي أن هاردات SSD لا تتطلب وقتًا طويلاً للوصول إلى كتل الملفات حتى لو تم توزيعها في أماكن منفصلة بين ذاكرات الفلاش، لأن ذاكرات الفلاش المستخدمة في SSD متصلة ببعضها البعض بسرعة موحدة للغاية.
ما تقدم يترجم إلى حقيقة أن وصول الكمبيوتر إلى البيانات في حالة تجزئة الهارد يكون بنفس سرعة الوصول إليه في حالة إلغاء التجزئة! لذا ، لن تلاحظ أي مكاسب في الأداء إذا حاولت إلغاء تجزئة SSD الخاص بك. على العكس من ذلك ، فإن القيام بذلك سيؤدي إلى تدهور الأداء ويقصر من العمر الافتراضي. اسمحوا لي أن أشرح كيف.
قد يكون إلغاء التجزئة هو آخر شيء يريده SSD !
إذا كان لهارد SSD أعداء من نوعهم ، فلن يرغب آباؤهم في عملية إلغاء التجزئة ، لأنه الحل الأخير الذي يمكن اللجوء إليه وفي ظل ظروف معينة تبرره ، لأن إلغاء التجزئة يحد من أداء هارد SSD ويقصر عمرها.
لاحظ أن الاختلاف بين SSD و HDD القديم ليس فقط نقص الهاردات المغناطيسية ووقت الوصول المحسن إلى البيانات ، ولكن SSD يحتوي أيضًا على خوارزميات ذكية تعمل على تسوية عملية تآكل الخلايا المسؤولة عن تخزين البيانات داخل ذاكرة فلاش NAND.
بمرور الوقت ، أثناء تخزين البيانات وحذفها (دورات القراءة / الكتابة) ، تبلى الخلايا في ذاكرة فلاش NAND مما يمنعها من الاحتفاظ بأي بيانات جديدة. في هاردات الحالة الحديثة ، يمكن لخلية واحدة إجراء أكثر من 3000 عملية قراءة / كتابة قبل أن تتلف تمامًا.
ولكن لتجنب تلف الخلايا الفردية ، مما قد يؤدي إلى فقدان البيانات المخزنة بشكل أسرع ، توزع هاردات الحالة الثابتة عمليات القراءة والكتابة عبر الخلايا في وقت واحد حتى لا تبلى إحدى الخلايا أكثر من الأخرى. هذا يضمن أن جميع الخلايا تخضع لعدد مماثل من عمليات القراءة والكتابة ، وهذا يضمن أيضًا عدم تجزئة البيانات.
إجراء إلغاء تجزئة SSD ، في حين أنه مسموح به ، سوف يستهلك عددًا كبيرًا من دورات القراءة والكتابة في وقت قصير جدًا ، مما يتسبب في تآكل الخلية المبكر الذي يترجم إلى تدهور الأداء. ليس ذلك فحسب ، فقد تكون عملية التجزئة مجرد مضيعة للوقت خاصة إذا كان حجم هارد SSD كبيرًا.
اعتمادًا على الطريقة التي تتعامل بها هاردات SSD مع قراءة البيانات وكتابتها ، فإن محو هذه الهاردات وإعادة كتابتها لترتيب البيانات يستهلك مواردها ، لأن الهارد يقوم بعملية تصنيف البيانات وترتيبها منه وإليها.
صحيح أنك لن تلاحظ تأثير هذا من المرة الأولى ، أي يمكنك إلغاء تجزئة SSD مرة واحدة حتى خمس مرات ، ولن تشعر بأي فرق ، ولن يتدهور الأداء الآن ، إلا أن سيظهر تأثير هذا على المدى الطويل.
على سبيل المثال ، يمكن لهارد Samsung 850 EVO 500GB معالجة 150 تيرابايت من إجمالي عمليات الكتابة ، وفي الوقت نفسه يكتب المستخدم العادي أقل من 20 جيجابايت من البيانات يوميًا في المتوسط ، وهذا يعني أن حرق 150 تيرابايت من عمليات الكتابة سيستغرق أكثر من 20 عامًا.
ولكن عندما يتم تنفيذ عملية إلغاء تجزئة الهارد بشكل مستمر كإجراء روتيني للحفاظ على أداء الهارد ، فإن هذا الرقم سوف يتقلص لأن هذه العملية ستكتب مئات الجيجابايت من البيانات في مدّة زمنية قصيرة ، مما يتسبب في تلف تخزين NAND بشكل أسرع. لذلك لا أوصي بفعل ذلك ما لم تكن لديك هِواية في جمع هاردات الحالة التالفة!
هناك طرق بديلة لتسريع SSD الخاص بك
ماذا لو بدأ SSD الخاص بك في الشكوى من ضغوط الحياة المعقدة والمليئة بالملفات؟ هل توجد طرق بديلة لإلغاء التجزئة لا تؤدي إلى تدهور الأداء؟ مع أنّ أن الهاردات ذات الحالة الثابتة تؤدي عددًا من العمليات وراء الكواليس من تلقاء نفسها للحفاظ على أداء مستقر ، إلا أن هناك العديد من الطرق لتسريع الأداء أو تقليل التأخير.
إحدى هذه الطرق هي القطع ، وهي عملية تحذف الكتل غير المستخدمة من البيانات وتجعلها قابلة للاستخدام ، من أجل منع تراكم البيانات غير المستخدمة التي يمكن أن تبطئ أداء SSD. لقد أوضحنا فعلًا في مقال سابق ماهية تقنية TRIM وكيفية تفعيلها لإطالة عمر SSD ، لكن دعني أخبرك أن SSD الحديثة أصبحت ذكية بما يكفي لتشغيل هذه التقنية تلقائيًا بين الحين والآخر في صمت تام.
حتى أداة Defragment and Optimize Drives المدمجة في إصدارات Windows الحديثة ستمنحك خِيار تنفيذ أمر Trim (بالضغط على زر Optimize) بمجرد اكتشاف SSD متصل بالكمبيوتر.
يمكن أيضًا تسريع أداء SSD بواسطة تنشيط تقنية “Over Provisioning”، التي ركزنا عليها من بين الأشياء التي يجب عليك القيام بها بمجرد تثبيت SSD في الكمبيوتر. ببساطة، تعتمد هذه التقنية على حجز مساحة تخزين على SSD وهذه المساحة غير قابلة للاستخدام، وغالبًا ما تمثل 7 أو 10٪ من الحجم الإجمالي للهارد.
الهدف هو تحسين أداء الهارد وعمره الافتراضي عن طريق تقليل عدد دورات الكتابة وتحرير مساحة إضافية غير مستخدمة حتى لو امتلأ الهارد يومًا ما بالملفات. دون هذه التقنية سينخفض أداء SSD بشكل ملحوظ بمجرد استنفاد سَعَة التخزين بالكامل، بسبب طبيعة عمل هذه الهاردات في المقام الأول. في الواقع، كلما زادت المساحة المحجوزة، يمكن للهارد تنفيذ المزيد من المهام كثيفة الاستخدام للموارد دون التأثير على أدائه.
تأتي معظم هاردات الحالة الثابتة مزودة بتقنية OP التي تم تنشيطها مسبقًا ، ولهذا السبب قد لا تتطابق سَعَة التخزين الفعلية مع تلك التي ذكرتها الشركة المصنعة. ولكن حتى إذا تم تنشيطه ، يمكنك التحكم في النسبة المئوية للمساحة المحجوزة من خلال المكون الإضافي الذي توفره الشركة المصنعة، مثل ساحر سامسونج والبرنامج لوحة القيادة SSD من سانديسك وغيرها.
عمومًا، هناك العديد من الطرق لتسريع SSD أو الحفاظ على استقرار أدائه، ولكن بالطبع لن يكون إلغاء التجزئة أحدها، ليس فقط لأن المكاسب من القيام بذلك ستكون ضعيفة، ولكن أيضًا التآكل الإضافي الذي يتلقاه SSD من هذه العملية.
